قصر الرمال ! بقلم: د. لولوة آل خليفة


جمعت الأسرة حاجيات الرحلة، بساط القش، المظلة، الكراسي البلاستيكية القابلة للطي، ووُضعت المشروبات والسندويتشات والفطائر المحلاة بالسكر والكرز في سلة الأطعمة، ثم تأكدت الأم من وجود مستلزمات السباحة في البحر، كالملابس والمناشف والنظارات والصنادل المطاطية لكل فرد من أفراد الأسرة.
انطلقت السيارة بالأسرة المكونة من سبعة أفراد نحو الشاطئ، وإذا بالابنة الوسطى ذات السنوات العشر تتذكر أنها نسيت إحضار أدوات صناعة قصر الرمال، وشرعت تبكي بلا توقف راجية من الوالد العودة إلى البيت لإحضار دلوها الصغير والرفش الذي أعدته لبناء قصرها الرملي!
وأمام إصرارها قرر الوالد العودة لإحضار ما نسيته ابنته (أمل)، ولأنها (أمل) فقد قرر الوالد أن يحقق (أمل) أمله الصغيرة ببناء قصر الرمال.
مرت أربعون دقيقة حتى وصلوا إلى منطقة الساحل الذي تعود الوالد السباحة فيه في صغره، وأخذ يجوب أرجاء المكان بالسيارة باحثا عن (المكان نفسه) الذي عرفه منذ سنوات، باحثا عن الساحل الذي قص لأبنائه قصته كل ليلة، باحثا عن الساحل ليفي بوعده.
توقفت السيارة وترجل منها بعد ساعة من البحث، لم يدر كيف يخبر أبناءه بأن الساحل لم يعد في المكان ذاته، وكيف يقنعهم بأن السواحل يمكن أن تغير أمكنتها؟ كيف يشرح للعقول الغضة الصغيرة أن خرائط البلدان يمكنها أن تتبدل مع الوقت؟!
خطرت له فكرة سريعة بأن ينطلق بهم نحو العين، فأعاد تشغيل سيارته وطفق مسرعا نحو العين قبل مغيب الشمس، ولأنه كان (مسرعًا جدا) لم يفهم رجل المرور الذي خط له مخالفة سرعة بالشارع السريع الأمر، ولم يفهم هو كيف يشرح لرجل المرور أنه كان مسرعا (نحو حلمه)، كيف يمكن أن يبرر خطأه بأنه بسبب حلم فرحته برؤية صغاره يسبحون في البحر، فلم يجده، ثم العين التي هو في طريق الوصول اليها.
وصل الرجل، فلم يجد العين أيضا، والنخيل هي الأخرى غادرت أرضها، صَمت، لم يعد يعرف كيف يشرح أن النخيل غادرت الأرض لأن العيون غارت في الأرض!
سحبت (أمل) يده بقوة واتجهت به إلى كثيب الرمال (الساخنة)، فالساعة مازالت الرابعة عصرا (والأرض) لاتزال (سخية) بدفئها، فطنةٌ هي أمل، لأنها انتبهت الى عيني والدها الذي يعيش زمانًا غير الزمان الذي عرفه، وقرأت دموعه الحبيسة، ولذا قررت أن تحقق الأمل الأخير في بناء قصر الرمال.
طلبت من سلمان (ذي الأعوام الأربعة) إحضار زجاجة الماء من السيارة، وفي عجل صنعت وأخوها طينة لينة لبدء العمل، وإذا ببقية إخوتها وأخواتها (فرح وبشرى وعلي) يشتركون جميعا في البناء.
مرت ساعة وإذا بذلك القصر الرملي الصغير مشيدا ومكتملا، فتراقص الأبناء حوله وأنشدوا، آهٍ لو تعلمون ما أنشدوا:
حمامة نودي نودي
سلمي على سيودي
سيودي راح لمكة
اييب ثوب العكة
ويحطه في صندوقي
صندوقي ماله مفتاح
تلك الأنشودة التي علمتهم جدتهم قبل وفاتها، وأوصتهم بألا ينسوها يوما، تلك التي تزغرد فرحًا كلما أنشدها الصغار واختتموها بإيجاد المفتاح في: لا إله إلا الله محمد رسول الله.
وقبل عودتهم الى البيت وقفوا جميعا بجوار القصر الرملي الجميل ليصوروه للذكرى، سحبت أمل يد والدها بشدة هذه المرة وقالت: أتدري ما اسم هذا القصر يا والدي؟ إنه (قصر الأمل)!
(قصة بحرينية واقعية حدثت بتاريخ 29مايو 2015)

Commentaires