عالم ينتفض للحجر ويصمت عن البشر..بقلم: عائشة البستكي

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (لأن تهدم الكعبة حجراً حجراً أهون على الله من أن يراق دم امرئ مسلم) و(لزوال الدنيا أهون على الله عز وجل من قتل رجل مسلم) رواه الترمذي والنسائي، الإسلام عظم قيمة الدماء أيما تعظيم، ولكل نفس في الإسلام حرمة عظيمة، ولكن دم المسلم اليوم أرخص دم في العالم، والمصيبة الكبرى المسلمون فقط هانوا أفرادا وأمما ورخصت دماؤهم وتسلط عليهم أعداؤهم، وكل يوم نستيقظ على مأساة جديدة، موت مجاني وفجيعة تورث فجيعة وويلات ونكبات والقتل أصبح الوجبة اليومية على موائدنا، ووحشية الجرائم لا مثيل لها قتل وحرق وذبح واغتصاب وتهجير وتفجير.
أخبار القتلى والدماء والتدمير والخراب أصبح سمة هذا العصر، عالم مليء بالشر عالم منافق مضطرب مختل مشحون بالكراهية والحقد الأسود، عالم الحروب والذبح والموت عالم أصبحت فيه دماؤنا أرخص من الحجر، شاهدنا كيف هاج الغرب والمنظمات العالمية وحتى بعض العرب والمسلمين عندما فجرت طالبان صنم بوذا في أفغانستان!! أصبح الحجر أغلى من البشر واليوم في سوريا والعراق لا بشر ولا حجر سلم منهم! عالم يتباكى على كلب هلك أو قطة حبست أو على حجارة وتماثيل تحطمت ويصمت عن ملايين البشر تثقب أجسادهم وتفجر رؤوسهم وأطفال ونساء وشيوخ يتم دفنهم أحياء تحت أنقاض منازلهم فلا تهتز لهم شعرة أو تدمع لهم عين، عالم يصمت عن براميل الأسد والعبادي الذين يقتلون البشر بالكيماوي والغازات السامة والأسلحة الفتاكة، عالم أصابه العمى عن مشانق إيران ومنصات الإعدام، ألم يسمعوا ويروا حال فلسطين ألم يسمعوا صراخ الأطفال في سوريا ألم يسمعوا نواح النساء الثكالى في العراق ألم يسمعوا بسجون غوانتانامو وأبوغريب؟! هل رأيتم ما حصل في أفغانستان وباكستان والشيشان والصومال والسودان وبورما والروهينجا وبلاد الرافدين والشام وغيرها؟!! لم يجتمع لهم مجلس الأمن أو منظمات حقوق الإنسان أو منظمة اليونسكو، بل اجتمعوا ليزيدوا معاناتهم، وللأسف المسلمون صاروا يعلقون حلولهم على مجلس الأمن ومنظمات ومؤتمرات هي في الأساس تضعف المسلمين وتطيل معاناتهم وتكيل بمكيالين في قضايا المسلمين، ماذا قدمت الأمم المتحدة لملايين المسلمين الذين أريقت دماؤهم في أفغانستان وفلسطين والعراق وسوريا وكشمير والشيشان والفلبين وإندونيسيا والهند وبورما والبوسنة والهيرسك وفي ألبانيا وفي الصين وفي إيران وفي جنوب السودان وفي الكثير من بقاع العالم؟! لا تخدعكم الشعارات فالأيدي التي تعبث بأرواح الإنسانية من أجل حفنة دولارات أو برميل نفط ومن أجل رسم خرائط جديدة للمنطقة لا ينتظر منها أن تدافع عن الدماء أو عن الحق والعدل والديمقراطية.
نحن نعيش اليوم في غابة تطورنا في القتل والذبح كل يوم يخترعون أسلحة جديدة لقتل البشر، ويفتحون سجونا جديدة شاهدة على إنسانيتهم وضمائرهم وسماحة أخلاقهم وديمقراطيتهم!! عالم ينفق على التسلح وينتج أحدث الأسلحة الفتاكة والرؤوس النووية لحصد أرواح الملايين من القتلى بضربة واحدة، وقد وجدوا بيئة جاهزة في دولنا لتطبيق فنونهم الحربية وإبداعاتهم الإجرامية، ولو تكلمنا عن الحجر هل رأيتم المساجد التي هدمت ودنست وفجرت؟! هل سمعتم عن عصابات تهريب آثار العراق وتدميرها أثناء الغزو الأمريكي وماذا عن تدمير مدينة حلب بكل ما فيها من بشر وحجر؟! ماذا عن تدمير المستشفيات على من فيها من الجرحى والأطباء؟ كنا ننتظر من المنظمات والدول التي تدافع عن التراث والأحجار وتصرف الملايين من أجل صونها والحفاظ عليها، أن تقف وقفة جادة لحقن الدماء وصيانة أعراض النساء وحماية طفولة الأبرياء ومحاكمة مجرمي الحروب وسافكي الدماء.
يتباكون على هدم الحجر ولم نرهم يتباكون على شلالات الدم التي تنهال كالسيل، ولو كانت هذه الدماء لغير المسلمين بل لو كانت لحيوان لقامت دنيا أمريكا والغرب والمنظمات ومجلس الأمن ولم تقعد، أنقذوا الآثار البشرية أولا ثم أنقذوا الآثار الحجرية، لتكن ضمائركم يقظة عندما تنتهك حرمات البشر، وكل روح تزهق لا تقارن بكل متاحف العالم وآثاره، مدن دمرت بسكانها بأعتى الأسلحة وأخطرها ولم يرف لهم جفن عين، للأسف في زمن الحضارة والإنسانية والتقدم والتطور أصبح الحجر أغلى وأهم من البشر، ضمائر ماتت وأخرى في سبات عميق!!
عائشة البستكي

Commentaires